دخول خريطة الموقع عن الموقع راسلنا بيان الخصوصية Rss
بحث

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

 
خدمات الموقع
روابط هامة
news.png
دليل العمل بالمساجد
mythaq-almasjed.gif
khotba.gif 
manhag.gif
abhass.gif
abhass.gif
reaya.jpg
reaya.jpg
MosqeTemplete.gif
TorassyMosqe.gif
   
  Skip Navigation Links  
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
خطبة - وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - بتاريخ 4 / 1 / 2019م

طباعة الخطبة PDF اضغط هنا

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 28 من ربيع الآخر 1440هـ - الموافق 4 / 1 / 2019م

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالإِحْسَانِ لِلوَالِدَيْنِ وَالقَوْلِ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، )رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ([الإسراء:25]. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، الَّذِينَ شَكَرُوا لِلَّهِ وَلِوَالِدِيهِمْ، فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر:18].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الرَّوَابِطِ بَيْنَ النَّاسِ رَابِطَةً خَصَّهَا الشَّرْعُ بِالتَّكْرِيمِ وَالذِّكْرِ، وَعَلَّقَ عَلَيْهَا جَزِيلَ الْمَثُوبَةِ وَالأَجْرِ، جَعَلَهَا الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ الكُبْرَى، وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِجْلَابِ رِضَاهُ العُظْمَى، قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ( [لقمان:14]،  لَقَدْ أَكْثَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذِكْرِ شَأْنِ الوَالِدَيْنِ، وَأَوْجَبَ الإِحْسَانَ إِلَيْهِمَا لِفَضْلِهِمَا وَعَظِيمِ مَعْرُوفِهِمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ(  [البقرة:215]، وَلِأَنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنَ القُرُبَاتِ العَظِيمَةِ تَسَابَقَ إِلَيْهِ الأَتْقِيَاءُ مِنَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ؛ فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مَنْهَجُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَعَمَلُ الكِرَامِ وَالصَّالِحِينَ؛ فَهَذَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخُصُّ وَالِدَيْهِ بِالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ بِقَوْلِهِ: )رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ( [نوح:28]، وَكَذَا حَالُ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ: )وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا( [مريم:14]،وَكَذَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ عَنْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا( [مريم:32]، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَبِيهِ وَدَعَوْتِهِ إِيَّاهُ وَتَحَبُّـبِهِ لَهُ فَأَمْرٌ قَدْ بَلَغَ فِي الْبِرِّ غَايَتَهُ وَفِي الإِحْسَانِ نِهَايَتَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا( [مريم:41-45]، وَلَمَّا هَدَّدَهُ أَبُوهُ: )لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا( [مريم:46] قَابَلَ التَّهْدِيدَ بِالإِحْسَانِ، والْغِلْظَةَ بِالأَدَبِ وَالِاحْتِرَامِ: )قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا( [مريم:47].

مَعَاشِرَ الأَحِبَّةِ:

اعْلَمُوا أَنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ خَيْرِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الصَّالِحُونَ، وَتَنَافَسَ فِيهِ المُتَنَافِسُونَ، وَهُوَ مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَأَفْضَلِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ سُئِلَ النَّبِيُّ r: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: »الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ« [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ t]. فَبِرُّ الوَالِدَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ حَقِّهِمَا؛ وَلِهَذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: »أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ r فَقَالَ: »أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ؛ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا«.

فَبِرُّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ؛ بِبِرِّهِمَا تَتَنَزَّلُ الرَّحَمَاتُ، وَتُكْشَفُ الكُرُبَاتُ، بِرُّ الوَالِدَيْنِ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ، وَمِغْلَاقُ كُلِّ شَرٍّ، بِرُّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دُخُولِ الجِنَانِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:

وَمِنْ فَضْلِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ: أَنَّهُ سَبَبٌ فِي بَسْطِ الرِّزْقِ وَطُولِ العُمْرِ، وَدَفْعِ البَلَاءِ، وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: »يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ«، فَأَتَى عُمَرُ أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. قَالَ أَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّمَا مَنَعَ أُوَيْسًا أَنْ يَقْدُمَ عَلَى النَّبِيِّ r بِرُّهُ بِأُمِّهِ. فَانْظُرْ ـ يَا رَعَاكَ اللهُ ـ المَنْزِلَةَ الَّتِي بَلَغَهَا هَذَا البَارُّ بِأُمِّهِ حَتَّى كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ المُصْطَفَى r، وَأَنْ يَقُولَ لِعُمَرَ t: »فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ«.

فَهَنِيئًا لِمَنْ عَاشَ مُدْرِكًا لِوَالِدَيْهِ، يَسْتَمْطِرُ رِفْعَةَ الدَّرَجَاتِ، وَإِجَابَةَ الدَّعَوَاتِ، وَمَغْفِرَةَ الزَّلَّاتِ، فَيَا أَيُّهَا المُوَفَّقُ المَحْظُوظُ بِوَالِدَيْهِ، أَبْوَابُ جَنَّتِكَ مُشْرَعَةٌ.

ادْفَعْ عَنْهُمَا الأَذَى؛ فَقَدْ كَانَا يَدْفَعَانِ عَنْكَ الأَذَى، لَا تُحَدِّثْهُمَا بِغِلْظَةٍ أَوْ خُشُونَةٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ، جَنِّـبْهُمَا كُلَّ مَا يُورِثُ الضَّجَرَ، )فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا( [الإسراء:23]، قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا كَانَتِ "الْأُفُّ" أَدْنَى مَرَاتِبِ الأَذَى نُـبِّهَ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَالمَعْنَى لَا تُؤْذِهِمَا أَدْنَى أَذِيَّةٍ).

تَخَيَّرِ الكَلِمَاتِ اللَّطِيفَةَ وَالْعِبَارَاتِ الجَمِيلَةَ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الطَّاعَةِ رَحْمَةً وَعَطْفًا وَرَأْفَةً وَصَفْحًا، لَقَدْ أَقْبَلَا عَلَى الشَّيْخُوخَةِ وَالْكِبَرِ، وَتَقَدَّمَا نَحْوَ الْعَجْزِ وَالْهَرَمِ، بَعْدَ أَنْ صَرَفَا طَاقَـتَهُمَا وَصِحَّتَهُمَا فِي تَرْبِيَتِكَ وَإِصْلَاحِكَ.

تَأَمَّلْ يَا رَعَاكَ اللهُ قَوْلَ رَبِّكَ: )إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ( [الإسراء:23]، إِنَّ كَلِمَةَ )عِنْدَكَ( تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْتِجَائِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا لَكَ، فَلَقَدْ أَنْهَيَا مُهِمَّتَهُمَا، وَانْقَضَى دَوْرُهُمَا، وَابْتَدَأَ دَوْرُكَ، وَهَا هِيَ مُهِمَّتُكَ ، )فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ( [الإسراء:23].

نَعَمْ، إِنَّ حَقَّهُمَا عَظِيمٌ، فَالْجَأْ إِلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ لَهُمَا فِي حَالِ الحَيَاةِ وَبَعْدَ المَمَاتِ؛ اعْتِرَافًا بِالتَّقْصِيرِ، وَأَمَلًا فِيمَا عِنْدَ اللهِ )رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا( [الإسراء:24]، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ الأَبْنَاءُ وَالبَنَاتُ مُجَازَاةَ الْآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ الْوَلَدُ الوَالِدَ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: »لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ «.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْكِرَامُ:

إِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ لَيْسَ دَرْسًا يُلَقَّنُ وَلَا شِعَارًا يُعْلَنُ، إِنَّمَا هُوَ إِكْرَامٌ وَإِحْسَانٌ، وَتَوْقِيرٌ وَعِرْفَانٌ. بِرُّ الوَالِدَيْنِ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ، بَذْلٌ وَعَطَاءٌ مِدْرَارٌ، بِرُّ الوَالِدَيْنِ قَلْبٌ يَتَدَفَّقُ بِالْوَفَاءِ، وَيَجْرِي فِي الْوَرِيدِ وَالدِّمَاءِ، لَا يَدْعُو وَالِدَهُ بِاسْمِهِ، وَلَا يَمْشِي أَمَامَهُ، وَلَا يُجْلِسُهُ خَلْفَهُ، يَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، يُلَبِّي دَعْوَتَهُ، لَا يَمُنُّ بِالْبِرِّ لَهُ، يَتَحَاشَى كُلَّ كَلِمَةٍ رَدِيئَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ تُظْهِرُ تَأَفُّفًا أَوْ تَضَجُّرًا، إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ مَالِيٌّ أَدَّاهُ، أَوْ صَوْمٌ قَضَاهُ، أَوْ حَجٌّ حَجَّهُ عَنْهُمَا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَهَدَاهُمْ لِمَا فِيهِ فَلَاحُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ التَّلَاقِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الكَرِيمُ الخَلَّاقُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ البِرَّ وَالعُقُوقَ دَيْنٌ وَوَفَاءٌ، فَإِذَا أَطَعْتَ أَيُّهَا المُسْلِمُ وَالِدَيْكَ أَطَاعَكَ أَوْلَادُكَ، وَإِذَا أَكْرَمْتَ وَالِدَيْكَ أَكْرَمَكَ أَوْلَادُكَ، وَبِالْعَكْسِ إِذَا تَوَلَّيْتَ عَنْ وَالِدَيْكَ، وَأَعْرَضْتَ عَنْهُمَا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مَنْ لَا يُرَاعِي فِيكَ عَهْدًا، وَلَا يَحْفَظُ لَكَ وُدًّا، وَلَا يُقِيمُ لَكَ وَزْنًا، وَلَا يَعْرِفُ لَكَ حَقَّ أُبُوَّةٍ، وَلَا وَاجِبَ بُنُوَّةٍ.

فَحَيَاةُ المُؤْمِنِ نِعْمَةٌ كَرِيمَةٌ، وَإِدْرَاكُ وَالِدَيْهِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا بِرٌّ وَغَنِيمَةٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: »رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ «[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الِابْنُ الْكَرِيمُ:

هَذَانِ هُمَا وَالِدَاكَ، جَمِيلُهُمَا يَرْبُو عَلَى كُلِّ جَمِيلٍ، وَإِحْسَانُهُمَا يَفْضُلُ كُلَّ إِحْسَانٍ، إِنَّهُمَا جَنَّتُكَ وَنَارُكَ، بَذَلَا مِنْ أَجْلِكَ، وَتَعِبَا فِي رِعَايَتِكَ، فَأَدَّيَا وَاجِبَهُمَا، وَبَقِيَ عَلَيْكَ رَدُّ جَمِيلِهِمَا، فَيَا مَنْ فَقَدَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَقَدْ قَصَّرَ بِبِرِّهِمَا فِي حَيَاتِهِمَا، وَنَدِمَ عَلَى الْفَوَاتِ، اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الإِحْسَانِ لَهُمَا مَفْتُوحٌ، وَبِإِمْكَانِكَ أَنْ تُدْرِكَ شَيْئًا مِنَ البِرِّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْكَ، وَيُرْضِيَ عَنْكَ وَالِدَيْكَ، مِنْ ذَلِكَ: الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، وَالْحَجُّ وَالعُمْرَةُ عَنْهُمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ الوَالِدَانِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، لِتَخْفِيفِ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ سَيِّئَاتٍ وَزِيَادَةٍ فِي الحَسَنَاتِ. إِنَّهُمَا هُنَاكَ فِي قَبْرَيْهِمَا تَنْفَعُهُمَا دَعْوَةٌ صَالِحَةٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ تَجْلِبُ لَهُمَا الرَّحَمَاتِ، وَتُظِلُّهُمَا بِهَا يَوْمَ الحَسَرَاتِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُبَارِكَ فِي وَالِدِينَا، وَأَنْ يَحْفِظَهُمْ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمْ بِرِعَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَهُمْ بِتَوْفِيقِهِ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ بِحُسْنِ الْـخِتَامِ، وَطِيبِ الْعَمَلِ، وَسَدِيدِ الْقَوْلِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِينَـنَا عَلَى بِرِّ وَالِدَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ قَصَّرْنَا فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأْنَا فِي حَقِّهِمَا، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَامْلَأْ قَلْبَيْهِمَا بِمَحَبَّتِنَا، وَأَلْسِنَـتَهُمَا بِالدُّعَاءِ لَنَا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمْ وَرِضَاهُمْ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالـمُشْرِكِينَ، وَاشْفِ مَرْضَى الـمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَاهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَيِّئْ لَهُمَا بِطَانَةً صَالِحَةً تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة


تاريخ الإضافة: 31/12/2018
المصدر: مكتب الشؤن الفنية
عدد القراء:
3349 الأرشيف طباعة Rss
القائمة الرئيسية